لماذا بدأ العالم يهتمُّ اليوم باللغة العربيَّة؟
ألأنَّها لغة دين؟ أم لأنَّها لغة ملايين من العرب؟ أم لأنَّها سادس لغة رسميَّة معتمدة في الأمم المتَّحدة؟!
بل لأجل هذه كلِّها مجتمعة، نرى العالَم اليوم مهتمًّا بالعربيَّة وتَعلُّمها لتكون بعثاتُه، على أنواعها، عسكريَّة واقتصاديَّة وثقافيَّة، وما أِليها، قادرةً على التَّفهُّم والتَّفاهم مباشرة مع مَن يهمُّهم الأمر فيها.
واللغة هذه أكثر من أيِّ لغة سواها، ربَّما، تُعتَبَر مُنزلَة من العلاء، أي أنَّ الله تكلَّم بها. ألم يرد في القرآن الكريم آية تقول: « إنّا أَنْزَلْنَاْهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » (آية يوسف).
وهي، على عكس ما يظنُّه بعضهم، لغةٌ حيَّة بجذورها وفروعها. وهي من أغنى اللغات. تدلُّ على ذلك مرادفاتُها الكثيرة لكلِّ معنى وغرَض. يختار منها المتكلِّم أو الشّاعر أو الباحث ما يناسبه ويناسب المستوى الذي يتحدَّث أِليه أو عنه. والغنى هذا متأتٍّ عن اللهجات الكثيرة التي عُرِفت لقبائلها قديمًا وتعطي أوعيةَ ألفاظ مختلفة، لمعانٍ مختلفة.
وبتنزُّلِ القرآن الكريم، اعتُمِدَت لهجة عدنان ألتي أنزِل بها، هي الأصيلة، وأُضيف أِليها كلُّ جميلٍ من اللهجات الأُخر.
والعربيَّة نوعان: لغة محكيَّة، ولغة فصحى.
ففي الحجاز، على سبيل المثال، يضطرُّ النّازلُ هناك، لمختلِف الأسباب، أن يتكلَّم اللغة الفصحى، التي هي واحدة عند الجميع، العربِ جميعهم، ليفهمَ ويُفهَم.
وفي الأوساط غير الحجازيَّة، كالعراقيَّة والسّوريَّة واللبنانيَّة، تبدو اللغة العاميَّة، ماعدا ألفاظًا معدودة، أقربَ أِلى الفهم منها في اللهجات الأخرى.
واللغة هذه يمكن اعتبارُها، كذلك، لغةً صوتيَّة بحروفها التي لكلِّ واحدٍ منها مدلول أِيقاعيّ خاصّ، بعكس باقي اللغات كالأنكليزيَّة التي يضطر معها الكاتب أن يجمع حرفين أو أكثر، ليدلَّ على أِيقاع معيَّن مختلِف عن مثله في غير لغات، من مثال: th أو sh.
وهذا ما يعطي العربيَّة واقع الأفضليَّة، فيجعل بقليل، من الاختلاف في اللهجات، أمرها ميسورًا للقراءة والكتابة، أكثر من أيِّ لغة أخرى.
ناهيك بالأِيجاز الذي يظهر في الكتابة بأقلّ حجمًا ممّا يكون لمثلها في اللغات الأخرى. وبالتّالي أسرع على الأملاء.
فأِذا كان العالم يهتمُّ بالعربيَّة، اليوم، أفلا يجدر بنا، نحن العرب، اللبنانيين خاصَّة أن نوليها اهتمامًا كما فعل أسلافنا حتّى الماضي غير البعيد، فنتمسَّكَ بجذورها ونبتعد عن كلِّ مسفٍّ في صياغة جُمَلِها؟!
د. جوزف حسيب عبد السّاتر